سورة الرعد - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}
فإن قلت: كيف طابق قولهم {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} قوله: {قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء}؟ قلت: هو كلام يجري مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤتها نبيّ قبله، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية، فإذا جحدوها ولم يعتدّوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط، كان موضعاً للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم: إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدّة الشكيمة في الكفر، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية {وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ} كان على خلاف صفتكم {أَنَابَ} أقبل إلى الحق، وحقيقته دخل في نوبة الخير، و{الذين ءَامَنُواْ} بدل من {مَنْ أَنَابَ} {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله} بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته، كقوله: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} [الزمر: 23] أو تطمئن بذكر دلائله الدالة على وحدانيته، أو تطمئن بالقرآن لأنه معجزة بينة تسكن القلوب وتثبت اليقين فيها {الذين ءَامَنُواْ} مبتدأ، و{طوبى لَهُمْ} خبره. ويجوز أن يكون بدلاً من القلوب، على تقدير حذف المضاف، أي: تطمئن القلوب قلوب الذين آمنوا، وطوبى مصدر من طاب، كبشرى وزلفى، ومعنى {طوبى لك} أصبت خيراً وطيباً، ومحلها النصب أو الرفع، كقولك: طيباً لك، وطيب لك، وسلاماً لك، وسلام لك، والقراءة في قوله {وحسن مآب} بالرفع والنصب، تدلك على محليها. واللام في {لَهُمْ} للبيان مثلها في سقيا لك، والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها، كموقن وموسر وقرأ مكوزة الأعرابي: {طيبى لهم}، فكسر الطاء لتسلم الياء، كما قيل: بيض ومعيشة.


{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ} مثل ذلك الإرسال أرسلناك، يعني: أرسلناك إرسالاً له شأن وفضل على سائر الإرسالات، ثم فسر كيف أرسله فقال: {فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ} أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء {لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك {وَهُمْ يَكْفُرُونَ} وحال هؤلاء أنهم يكفرون {بالرحمن} بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء، وما بهم من نعمة فمنه، فكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال هذا القرآن المعجز المصدق لسائر الكتب عليهم {قُلْ هُوَ رَبّى} الواحد المتعالي عن الشركاء {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في نصرتي عليكم {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم.


{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
{وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا} جوابه محذوف، كما تقول لغلامك: لو أني قمت إليك، وتترك الجواب والمعنى: ولو أن قرآنا {سُيّرَتْ بِهِ الجبال} عن مقارّها، وزعزعت عن مضاجعها {أَوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرض} حتى تتصدع وتتزايل قطعاً {أَوْ كُلّمَ بِهِ الموتى} فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف، كما قال: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ الله} [الحشر: 21] هذا يعضد ما فسرت به قوله: {لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الرعد: 30] من إرادة تعظيم ما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن. وقيل: معناه ولو أن قرآناً وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى وتنبيههم، لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه كقوله: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة} [الأنعام: 111] الآية. وقيل: إن أبا جهل بن هشام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سيِّر بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها البساتين والقطائع، كما سخرت لداود عليه السلام إن كنت نبياً كما تزعم، فلست بأهون على الله من داود. وسخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ثم نرجع في يومنا، فقد شق علينا قطع المسافة البعيدة كما سخرت لسليمان عليه السلام. أو ابعث لنا به رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا: منهم قصي بن كلاب فنزلت ومعنى تقطيع الأرض على هذا: قطعها بالسير ومجاوزتها.
وعن الفراء: هو متعلق بما قبله. والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال} وما بينهما اعتراض، وليس ببعيد من السداد.
وقيل {قُطّعَتْ بِهِ الارض} شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً {بَل للَّهِ الأمر جَمِيعًا} على معنيين، أحدهما: بل لله القدرة على كل شيء، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها؛ إلا أنّ علمه بأنّ إظهارها مفسدة يصرفه.
والثاني: بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان، وهو قادر على الالجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار. ويعضده قوله: {أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الذين ءامَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء الله} يعني مشيئة الإلجاء والقسر {لَهَدَى الناس جَمِيعًا} ومعنى {أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ} أفلم يعلم. قيل: هي لغة قوم من النخع.
وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه؛ لأنّ اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك. قال سحيم بن وثيل الرياحي:
أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْبِ إذْ يَيْسُرُونَنِي *** أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ
ويدل عليه أن علياً وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤا: {أفلم يتبين} وهو تفسير (أفلم ييئس) وقيل: إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوى السينات، وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتاً بين دفتي الإمام.
وكان متقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه والله فرية ما فيها مرية. ويجوز أن يتعلق {أَن لَّوْ يَشَاء} بآمنوا، على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولهداهم {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ} من كفرهم وسوء أعمالهم {قَارِعَةٌ} داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم {أَوْ تَحُلُّ} القارعة {قَرِيبًا} منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها، ويتعدى إليهم شرورها {حتى يَأْتِىَ وَعْدُ الله} وهو موتهم، أو القيامة. وقيل: ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة؛ لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم، وتصيب من مواشيهم. أو تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك، كما حل بالحديبية، حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10